-A +A
علي فقندش
عظمة الملحن العربي لا تقف عند تعدد بعض خصائصه ومزاياه، إذا ما كان ملحنا بالفعل وأن هوايته ومهنته هي الموسيقى، ودلائل العبقرية عند الملحن العربي هي تلك النجاحات التي خاضها الكبار من هؤلاء الملحنين عندما يكونون في مهام من نوع خاص، وتتلخص هذه المهام في تلحين أغنيات لصوت من بيئة عربية مغايرة في الطعم والتذوق الفني وما إلى ذلك، أتحدث هنا عن الأغنية الهجين التي تأتي نتاجا لكلمة من بلد عربي وبلحن من بلد آخر وربما عبر صوت من بلد ثالث وهكذا، العبقرية كانت في عظمة ونجاح كبار الملحنين العرب، ولعل في مقدمتهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي قدم ألحانا غير مصرية لأصوات غير مصرية أيضا، لنجوم من لبنان تكاد تكون لبنانية النكهة والجوهر مثل «عندك بحرية يا ريس» التي صاغها إبداعا لصوت الراحل مطرب المطربين وديع الصافي، وأغنيتي «ع الضيعة وكرم الهوى» لصباح شحرورة الغناء العربي التي يكاد يصل المستمع في استنتاجاته إلى أنها لبنانية وليست لسيد موسيقى مصر والعرب عبدالوهاب، في المقابل ظلم كثير من الملحنين العرب الذين انتهجوا عبقرية عبدالوهاب في التناول في أن نسب بعض الإعلاميين والنقاد أعمال هؤلاء إلى عبدالوهاب مثل «لا تدخلي» لنزار وفائزة أحمد إلى عبدالوهاب وهي لمحمد سلطان، و«يا عيني ع الصبر» التي شدا بها وديع الصافي واعتقد كثيرون أنها لعبدالوهاب، بينما هي للبناني الراحل رياض البندك ؟! نعود لموضوعنا عن جمال وروعة الملحن العربي عندما يقدم لمطرب من بلد آخر نفس نكهة بلاده بكل نجاح ومنها أيضا ما قدمه عبدالوهاب لطلال مداح ــ رحمهما الله «ماذا أقول»، ولو أنها بثوبها الفصيح لم تكن لتحتاج نكهة خاصة، كذلك العبقري بليغ حمدي عندما قدم لطلال مداح «يا قمرنا ليه يا قمرنا»، وكأننا نستمع إلى عمل سعودي ولملحن سعودي، وكان منتهى إبداعه عنده عندما قدم لوديع الصافي لحنا لا يصدق لبناني أنه لملحن مصري «دار يا دار» ولا ننسى أغنيتهما المشتركة أيضا من كلمات حسين السيد «على رمش عيونها قابلني هوى» التي شدت بها فيما بعد الراحلة وردة الجزائرية في حفل ثم كانت المطربة التونسية الشهيرة منيرة حمدي التي ما زالت ترددها هنا وهناك، وفي المقابل، كان موسيقارنا السعودي غازي علي قدم لماهر العطار في فيلم لقاء عند الغروب الذي اشترك في بطولته مع رشدي أباظة ومريم فخر الدين أغنية «اجري يا موج اجري» من كلمات عبدالعزيز سلام احتار كثيرون لأي ملحن مصري هي بينما هي لسعودي. وكثيرة هي الأمثلة على هذا الخوض في الموسيقى العربية وجنون وعبقرية الملحن العربي الذي ملأ سماء الفن إبداعا.
اقتطاف من حنجرة وديع الصافي

وموسيقى بليغ ونص حسين السيد:
دار يا دار يا دار
يا دار قول لي يا دار
راحوا فين حبايب الدار
لياليك كانت نور
تسبح في ضي بحور.. صرخة صدى مهجور
مرسوم في كل جدار.